و اکد المستشار الثقافی الایرانی فی بیروت
"عباس خامه یار"، فی مقال له لطالما رافقت جدلیة العقل والإیمان التفکیر
البشری منذ فجر التاریخ، فذهب فلاسفة العقل إلى عدم قبول المعتقدات الدینیة أو الإیمان
بما لم یُستدَلّ علیه بالبراهین العقلیة، وانشغل اللاهوت الطبیعی والإلحاد الطبیعی
فی حشد المعطیات، تارةً من أجل إثباتِ نجاعة الإیمان بالاستقراء والاستدلال، وتارةً
لنفیه من خلال البراهین ذاتها.
ورأینا آخرین ذهبوا إلى البرهان العملی،
فرأوا فی الإیمان مفراً آمناً، ورأى غیرهم أن الإیمان لا یمکن أن یستدلّ علیه بالعقل،
إذ إنه یعتبر ما فوق مستوى العقل.
وکان الإیمان لدى هؤلاء، من فلاسفة وجودیین
فی العالم الغربی، مثل برغسون، وفلاسفة العرفان فی العالم الإسلامی، أمثال ابن عربی
ومحمد إقبال وسواهما، یمثل قوةً روحیةً وعلاقةً ذاتیةً ما بین الإنسان الفرد والله،
فنرى البعض منهم یعبّر عن خلاص الإنسان من خلال وثبة الإیمان التی لا تنتظر المعطیات
العقلیة، وإنما تتبع حدسَها الإیمانی، وهذا هو معنى الروحانی الذی تقصر الدلائلُ الاستدلالیة
عن بلوغ ماهیته.
إن المقدّس والإلهی کان دائماً موضعَ جدل
الفلاسفة والمفکرین والمتکلمین على حدٍّ سواء. وفیما ذهب المتکلمون وعلماء الکلام إلى
إثبات العقائد والأمور الدینیة، راح الفلاسفة، مؤمنین وملحدین، إلى البحث عن معنى الإله
والإیمان وتفکیک التجارب الدینیة وتحلیلها، هذه التجربة التی یعیشها الفردُ وحدَه،
ویلتقی ربّه وحده، ویعرفه وحده، ویرتفع إلیه وحده.
لعله من هنا، کان مشرب فلاسفة المشرق والمغرب
الإسلامیین فاعلاً فی هذا الخصوص، فنرى النزعة الإیمانیة فی فکر صدر المتألهین الشیرازی،
الفیض الکاشانی، اللاهیجی، الشبستری، التبریزی، ابن سینا، الغزالی، ابن خلدون وسواهم،
حیث کان العرفانُ معرفةً بالله وبالذات، انطلاقاً من الحدیث الشریف "من عرف نفسه
فقد عرف ربّه".
لیری الانسان ما صنعت یداه
والیوم، من قلب هذه الجائحة التی طرأت
على الجنس البشری وألمّت به، ألسنا فی صددِ العودة القسریة إلى الذات؟ ألسنا فی غمارِ
دعوةٍ من الحقّ إلى التأمل ومعرفة الذات أکثر؟
لعلّ هذه الأیام کانت قدراً محتوماً وذریعةً سماویةً لیتوقف الإنسانُ
برهةً من الزمن، ویرى ما صنعت یداه. العالمُ ینتظرُ العلمَ لإیجاد الحل، والمؤمنون
من الناس عیونهم على الأرض وأیادیهم مرتفعةٌ إلى السماء فی مناجاةٍ تستقی الرحمةَ الإلهیة
التی فیها الخلاص الوحید.
لقد رأینا العالم منذ شهورٍ ینقسم إلى
فئتَینِ تمثّلانِ أقطاب هذه الجدلیة القدیمة من جدید؛ جدلیة العقل والإیمان! فأین یکون
الشفاء؟ وهل العلاقة ما بین دعاة العلم والإیمان هی علاقةُ قطیعة؟
إن الإنسان عاجزٌ عن التخلی عن یقینه وإیمانه،
فالحیاةُ فارغةٌ من مکنوناتها من دون وجود الإیمان، کما ذهب الفیلسوف شلایرماخر. وهذا
الفیروس الذی انبعث فی فضاء الأرض، نتیجة الاختبارات أو المؤامرات البیولوجیة الجرثومیة،
قد تکون نهایته لا شک عن طریق العلم والبیولوجیا ذاتها، غیر أن نزول هذه الرحمة ومسببات
انکشاف الأسرار العلاجیة، لا شک فی أنه سماویٌّ یلزمُنا بأن نلتحق بقافلة المناجین
المعتصمین بحبال الإیمان والتسلیم.
الإیمان علاقةٌ روحیةٌ للعبدِ بربّه. الإیمان
کان لحظةً لا مفرّ منها فی حدث التجسّد المسیحی، وکان أمراً مسلّماً فی نزول معجزة
القرآن على محمد والتوراة على موسى. وکان الإیمان قشّةَ البوذیّ الذی تمسّک بها أمام
أحداث الطبیعة التی ما کان لیدرکَ کنهَ عظمتها.
وکان الإیمانُ هو السبیل الأوحد أمام فلاسفة
الطبیعة، الذین وصلوا إلى عثرةٍ لا مفرّ منها فی تفکیرهم الفلسفی، فانقلب معظمهم شعراءَ
ومتصوفین.
أقول لعلّنا أمام هذه الأزمة بحاجةٍ ماسّةٍ
إلى أن نؤمنَ بیقینٍ وعقیدةٍ، بأنّ حلولَ العقلِ آتیةٌ لا ریبَ من السماء، فالغوث الغوث
یا الله! رحمتکَ بنا، ولترفع هذا البلاء!
المصدر: ارنا