السهرودی ..شیخ الإشراق

واعلن امین عام اللجنة الوطنیة لمنظمة الامم المتحدة للتربیة والعلوم والثقافة (یونسکو) لدی ایران 'حجة الله ایوبی' انه و بالتزامن مع احیاء الذکری السنویة للفیلسوف الایرانی السهروردی تعمل ایران على تسجیل اسمه فی الیونسکو.

ومن هو السهروردی؟

هو یحیى بن حبش، ولد فی سُهرَوَرد من مدن زنجان (شمال غرب إیران) سنة ٥٤٩هـ. تلقى السهروردی مبادئ العلوم فی مراغة (من مدن آذربایجان)، ثم انتقل إلى أصفهان، مرکز الحرکة العلمیة بإیران آنذاک.

وحین اکتمل نضجه العلمی دخل فی مرحلة «التعاطی الفکری» مع کبار علماء عصره، فطاف فی مدن إیران لیلتقی العلماء والمشایخ.

ولم تسعه إیران فخرج منها إلى بغداد، ثم سافر إلى ترکیا وبلاد الأناضول، ثم استقر به المقام أخیراً فی حلب، وبقی فیها حیث کان مقتله بأمر صلاح الدین وکان مقتله فی قلعة حلب سنة 586 هـ، بعد أن نسب البعض إلیهِ فساد المعتقد وظن صلاح الدین أن السهروردی یفتن ابنه الملک الظاهر بالکفر والخروج عن الدین.

لقد کان من المتصوفة فی زمانه ومن فقهاء عصره فی الدین والفلسفة والمنطق والحکمة ویسمى مذهبه الذی عرف به "حکمة الإشراق" ولهُ کتاب بهذا الاسم.. ویضم أسس فکره وفلسفته، ویشتمل على قسمین فی المنطق وفی الإلهیات.

السهروردی من کبار مفکری الفلسفة الإشراقیة، ویعدّ أول من تصدّى للفلسفة المشائیة فی القرن السادس الهجری، فقد أعرب فی مؤلفاته عن تبرّمه بها، ونزوعه إلى الفلسفة الإشراقیة، وهذا یعنی أنه کان صوفیاً أکثر من کونه فیلسوفاً، على أنه یضع الفلسفة والتصوف فی علاقة خاصة لا توجد عند غیره. إن السهروردی جعل الفلسفة الإسلامیة بالمعنى الأعمق عمّا کانت علیه من قبل.

تتلخص مدرسته الفلسفیة التی سمیت بالمدرسة الإشراقیة بأن الإنسان لا یستطیع أن یصل إلى الحقائق والمعارف بالبحث النظری وحده، بل لابُدّ أن یصاحب البحث النظری تأمل روحی لیصل إلى حقائق العلم وتنفجر فی قلبه أنوار المعرفة. بعبارة أخرى طریق العلم بحاجة إلى حرکة فی الفکر وحرکة فی النفس کی یصل بها الإنسان إلى حقائق الأشیاء.

السهروردی  یعتبر من رموز التواصل العربی – الإیرانی و یقدّم لنا النموذج البارز لمفکر الحضارة الإسلامیة الذی لم یتحدد بإطار لغة أو إقلیم، بل تجاوز کل هذه الأطر وانطلق إلى رحاب إنسانی واسع.، فالسهروردی إیرانی ولغته الأصلیة الفارسیة، لکنّ فکره ینتمی إلى الحضارة الإسلامیة، لا إلى بلد ولا إلى لغة. وهکذا الفارابی وابن سینا والغزالی وابن المقفع … لایمکن حصر فکرهم فی إطار قومی أو إقلیمی، بل هم أبناء منظومة فکریة تفاعل فیها العلماء من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، واختاروا اللغة العربیة باعتبارها لغة العلم، رغم أن بعضهم کتب بالفارسیة أو بالترکیة أو بغیرهما من لغات عالمنا الإسلامی.

اساتذته

لا تشیر المصادر عن تفاصیل وافیة لأساتذة سهروردی المباشرین الذین تأثر بهم، أو الذین کان لهم أثر فی تکوین حکمته الإشراقیة، لکن یمکن تسجیل ثلاثة أساتذة على الأقل هم: الشیخ مجد الدین الجیلی الذی کان له الفضل فی تأسیس شخصیة السهروردی العلمیة مذ کان فی مراغة، لا سیما فی الفقه وأصوله، والشیخ ظهیر الدین القاری الذی أتم علیه السهروردی دراساته المقررة فی أصفهان ومنها کتاب البصائر النصیریة، والشیخ فخر الدین الماردینی الذی اتصل به السهروردی أثناء تجواله داخل إیران وأخذ عنه قسطاً وافراً من حکمة ابن سینا المشرقیة.

ترک السهرودی أکثر من خمسین کتاباً ورسالة باللغتین العربیة والفارسیة من اشهرها :

الکتب والرسائل الثابتة:

•    حکمة الإشراق

•    المشارع والمطارحات

•    هیاکل النور

•    رسالة مختصرة

•    الأربعون اسمًا

•    الأسماء الإدریسیة

•    کتاب البصر

الکتب والرسائل المشهورة:

•    التنقیحات فی الأصول

•    الرقیم القدسی

•    رسالة فی اعتقاد الحکماء

•    رسالة عقل سرخ

•    البارقات الالهیة

•    الرمز المومی

هذا الرجل الذی یعتبر من رموز التواصل العربی - الإیرانی اهتمّ به الأوربیون أکثر من العرب وأکثر من الإیرانیین أنفسهم. وأذکر من هؤلاء المهتمین الغربیین (بروکلمان) فی کتابه «تاریخ الأدب العربی»، فقد تقصّى النسخ الموجودة من مؤلفات السهروردی بالمکتبات العالمیة. ثم (ریتر) الذی قضى سنوات طویلة فی اسطنبول یبحث عن السهروردی، و (ماسینیون) الذی تناول حیاة السهروردی العلمیة، وحاول أن یحیط بالتطور الفکری فی منظومة هذا العالِم فی کتابه «تاریخ التصوف».

ترک السهرودی أکثر من خمسین کتاباً ورسالة باللغتین العربیة والفارسیة أشهرها کتاب «حکمة الاشراق» ویضم أسس فکره وفلسفته، ویشتمل على قسمین فی المنطق وفی الإلهیات. وتتلخص مدرسته الفلسفیة التی سمیت بالمدرسة الإشراقیة بأن الإنسان لا یستطیع أن یصل إلى الحقائق والمعارف بالبحث النظری وحده، بل لابُدّ أن یصاحب البحثَ النظری تأملٌ روحی لیصلَ إلى حقائق العلم وتنفجر فی قلبه أنوار المعرفة. بعبارة أخرى طریق العلم بحاجة إلى حرکة فی الفکر وحرکة فی النفس کی یصل بها الإنسان إلى حقائق الأشیاء.

هذه بإجمال «فلسفة الإشراق» التی نظّر لها السهروردی ودافع عنها، وأصرّ على خواء کل عمل فکری لا تصحبه حرکة تکاملیة فی النفس، یکون معها الإنسان (عاشقاً). ولذلک اصطدم بکثیر من سماسرة العلم وأدعیاء المعرفة فی زمانه.

وأما ما هو عطاء السهروردی لمشروع نهضتنا الحضاریة المرتقبة:

أولاً - وحدة الحضارة الإسلامیة، فالسهروردی إیرانی ولغته الأصلیة فارسیة، لکنّ فکره ینتمی إلى الحضارة الإسلامیة، لا إلى بلد ولا إلى لغة. وهکذا الفارابی وابن سینا والغزالی وابن المقفع … لایمکن حصر فکرهم فی إطار قومی أو إقلیمی، بل هم أبناء منظومة فکریة تفاعل فیها العلماء من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، واختاروا اللغة العربیة باعتبارها لغة العلم، رغم أن بعضهم کتب بالفارسیة أو بالترکیة أو بغیرهما من لغات عالمنا الإسلامی.

والسهروردی یقدّم لنا النموذج البارز لمفکر الحضارة الإسلامیة الذی لم یتحدد بإطار لغة أو إقلیم، بل تجاوز کل هذه الأطر وانطلق إلى رحاب إنسانی واسع.

ثانیاً - من خصائص فکر السهروردی الانفتاح على الآخر الغربی، حتى عُدّت مدرسته أعظم منظومة فکریة جمعت الشرق والغرب فکریاً وحضاریاً.

وانفتاحه على الفکر الغربی کان انفتاحاً فاعلاً لا منفعلاً، فقد تبنّى المنطق الصوری الأرسطی، لکنه کان تجاه هذا المنطق ناقداً ومکملاً، فقد أنزل (المقولات العشر) لمنطق أرسطو إلى أربع، ثم جعل من المنطق الصوری سلّماً صاعداً إلى عالم الاشراق.

ولنقد السهروردی هذا أهمیّة بالغة فی تاریخ المنطق، کما أن ربط المنطق الصوری بعالم الإشراق فی منظومة فکریة واحدة منسجمة من أروع ما فی أعمال السهروردی الفکریة.

یقول الدکتور إبراهیم مدکور فی حدیثه عن السهروردی: «حقاً إنه کان موسوعی النزعة لا یقنع بکتاب ولا یقف عند شیخ، ویأبى إلا أن یضم الحکماء بعضهم إلى بعض، سواءاً کانوا شرقیین أم غربیین. وکأنما کان یطبق المبدأ القائل: «الحکمة ضالة المؤمن یلتمسها أنى وجدها». فجمع بین حکماء الفرس والیونان، بین کهنة مصر وبراهمة الهند.

آخى بین أفلاطون وزرادشت، وبین فیثاغورس وهرمس. وشاء أن یضم الروحانیین بعضهم إلى بعض دون تفرقة بین جنس ووطن وتلک نزعة صوفیة مألوفة. فیرى العارفون أنهم جمیعاً إخوان فی الله، وفی مرحلة الوصول والحب الإلهی لا یفرق ابن عربی أو اسبینوزا.

وبهذا الانفتاح الفاعل نمت دوحة الحضارة الإسلامیة واتخذت صفة إنسانیة عالمیة.

ثالثاً: حضارة الیونان أیام أرسطوطالیس هی الوحیدة التی حدث فیها انفصال الفلسفة عن الدین، خلافاً للحضارات القدیمة الأخرى کالصینیة والیابانیة والهندیة والإیرانیة. وصادف أن تأثر العالم الإسلامی بالفکر الیونانی إبان نهضته فی العصر العباسی، وحدث منذ بدایات هذه النهضة نوع من الانفصال بین أصحاب العقل (الفلاسفة) وأصحاب الذوق (العرفاء والمتصوفة).

ولعلّ هذا الانفصال خلق جبهتین إحداها ترکز على العقل باعتباره مصدر کل معرفة، والأخرى على (الله) باعتباره مصدر کل أنوار الحقائق.

ان السهروردی هو الحکیم الذی استطاع أن یعانق بروحه قلل الفکر الشامخة فی آفاق الحقیقة فوق سحب القول، وهناک یتوافر له الإمکان فی ربط الکلام والفکر الإنسانی بالکلام والفکر الإلهی، فیربط الحکمة بالقرآن الکریم بأمتن العرى وأجمل الوشائج، فلا نراه فی أثر من آثاره إلا متدرجاً صاعداً حتى یتوج مسیرته الفکریة بالآیة القرآنیة مستشهداً بها فی جلالها وعظمتها».

رابعاً: فی منظومة السهروردی مصالحة بین الإنسان ونفسه، فالانسان عاقل ولکنه عاشق أیضاً. العشق یدفعه على طریق هدف کبیر والعقل ینیر له الطریق. کم من عاقل عاش لذاته ولمصالحه الضیقة وسخّر کل طاقاته العقلیة لتکریس أنانیته وتلبیة أهوائه وشهواته، دون أن یقدّم أی عطاء للبشریة !! کم من عاقل سَخَرَ من المضحّین والباذلین أرواحهم وأموالهم فی سبیل هدف کبیر، لأنه یرى فی ذلک تعارضاً مع مصالح الذات ومع العقل!!

مثل هؤلاء العقلاء فقدوا عنصراً مهماً فی وجود الإنسان هو «العشق». لقد أصرّوا على البقاء فی دائرة ذواتهم حتى قضوا على «الذوق الجمالی» فی نفوسهم. وأصبحوا لایعرفون معنى للمثل الأعلى ولا للتضحیة والفداء والبذل… بل أصبحوا لا یعرفون أیة قیمة جمالیة فی حیاة الإنسان وفی الطبیعة.

هذا الانفصام بین العقل والعشق عالجه السهروردی فی فلسفة الإشراق، وبذلک صالح الإنسان مع نفسه، وأحیا الرابطة العمیقة بین المنطق والعشق.

إن السهروردی على حدّ تعبیر الدکتور نصر جعل الفلسفة الإسلامیة (إسلامیة) بالمعنى الأعمق عمّا کانت علیه من قبل.

المصدر: ارنا