لقد كان السيد جمال الدين مفكراً وسياسياً ايرانياً وكانت أفكاره
وعقائده التحررية والمناهضة للاستعمار تغطي العالم كله. ويقول علي اصغر شميم في كتابه
"إيران في عهد الأسرة القاجارية" بأن سيد جمال الدين كان ومثل سائر الرجال
الكبار يملك حساً عالياً وفكراً واسعاً وعزماً قوياً لايمكن حصره في بلد واحد لانه
كان يسعي الي اقامة الوحدة الشاملة بين كافة الشعوب والبلدان الاسلامية والوقوف بوجه
الاطماع الاستعمارية البريطانية وسائر الدول المستعمرة في العالم وقد سعي في هذا الطريق
الي ايقاظ الشعوب الاسلامية كافة مثل ايران ومصر والدولة العثمانية وافغانستان والهند.
وذكر الكاتب المعروف احمد كسروي في كتابه "تاريخ الثورة
الدستورية في ايران" بأن سيد جمال الدين وفي عهد ناصر الدين شاه سعي كثيراً لإيقاظ
الشعب. لقد كان السيد رجلا شجاعا ينتقد استبداد الشاه ومكر رئيس وزرائه ويعمل علي توعية
الشعب ضدهما.
وحسب ما يورده احمد كسروي فإن سيد جمال الدين الاسد آبادي كتب
الي ناصر الدين شاه رسالة أشار فيها الي لقائه مع كبار رجال السياسة في روسيا لإقناع
الروس بتغيير سياستهم اتجاه ايران وترك العداوة بينهما.
وولد السيد جمال الدين في قرية اسد آباد الواقعة بالقرب من مدينة
همدان الايرانية وذلك في شهر شعبان من عام 1254 للهجرة حيث تتلمذ ومنذ الصغر علي يد
اساتذة فضلاء وبعد ذلك سافر الي قزوين ومنها الي طهران والي النجف حيث تتلمذ علي يد
الشيخ مرتضي الذي تنبه الي ذكائه ومواهبه وذهنه الوقاد وقام بارساله الي الهند للاطلاع
علي الاوضاع الاجتماعية والسياسية فيها حيث تعلم الانجليزية هناك.
وفي عام 1270 سافر من الهند الي مكة المكرمة ومن ثم عاد الي
قريته اسد آباد ومن بعدها ذهب الي طهران حيث قام بنشر أفكاره وعقائده ولكن بسبب بطش
ناصر الدين شاه سافر مجبراً الي افغانستان ومن ثم الي الهند وبعدها رحل الي مصر ومن
ثم الي اسطنبول حيث لاقي الترحيب هناك من الشخصيات السياسية ولكن وبعد مدة وبسبب مخالفة
شيخ الاسلام في الدولة العثمانية سافر في عام 1287 الي مصر التي استقر فيها لمدة سنتين.
أما علي اصغر شميم فيقول في كتابه هذا بان سيد جمال الدين كان
عالي الهمة ويملك ذاكرة غنية وقوية وكان كلامه نافذا وأسس جمعية "الحزب الوطني"
في مصر ضمت 300 عضو. وقام بتدريس فلسفه إبن سينا في الجامع الازهر. وكانت خطبه تتمحور
حول الوحدة الاسلامية والقضاء علي شبكات التجسس والمكر الانجليزي وتأمين الحرية والاستقلال
الواقعي للشعوب الاسلامية.
هذه الامور اخافت عملاء بريطانيا حيث عملوا علي اخراجه من مصر
وليذهب ثانية الي الهند ومنها الي اوروبا ليسافر في عام 1300 الي بريطانيا ومن ثم الي
فرنسا حيث بقي فيها ثلاث سنوات اصدر فيها جريدة "العروة الوثقي" وكان يرأس
تحريرها العالم المصري المشهور الشيخ محمد عبده.
وفي باريس التقي سيد جمال الدين بالعالم والمؤرخ الفرنسي المشهور،
ارنست رنان حيث اجري معه نقاشا مطولا حول العلاقة بين الاسلام والحضارة الغربية فيما
قام وعبر جريدته بنشر أفكاره وآرائه السياسية والاجتماعية بشأن الحرية والمساواة في
سائر بقاع الدول الاسلامية. كما سعي الي تنوير أفكار الشعب الايراني والعثماني ولكن
وبعد صدور 18 عددا من جريدته حجبت عن الصدور.
وفي عام
1303 وبدعوة من ناصر الدين شاه سافر سيد جمال الدين الي ايران حيث زار شيراز ومن ثم
طهران التي عمل رجال البلاط بتأليب الشاه ضده الامر الذي دعاه الي الرحيل الي روسيا
ومن ثم الي النمسا.
وفي عام 1306 التقي سيد جمال الدين بناصر الدين شاه في اوروبا
حيث قدم الي طهران في 1307 ولكن دسائس ومؤامرات البلاط سعت ثانية الي التأثير علي ناصر
الدين شاه مما جعله يغادر ايران الي العراق ومن ثم الي لندن ليصدر من هناك جريدة
"ضياء الخافتين" باللغتين العربية والانجليزية. وبعد غلق هذه الجريدة ذهب
الي اسطنبول والتقي بالسلطان العثماني عبدالحميد الذي أعجب بأفكاره حول الوحدة الاسلامية
ولكن دسائس عملاء بريطانيا في الدولة العثمانية قامت بدس السم الي سيد جمال الدين ليفارق
الحياة ويدفن هناك في عام 1314 أي سنة قبل مقتل ناصر الدين شاه.
هذا وكانت آراء سيد جمال الدين السياسية شديدة التأثير علي الناس
وكان الكثير منهم مفتنون بكلامه حول الحرية وقد عملوا علي حفظ هذه الافكار والآراء
حيث قاموا وبعد وفاته بنشرها بخاصة من قبل الشيخ احمد روحي والميرزا آقا خان كرماني
والميرزا حسن خان خبير الملك وقد لاقوا في مسعاهم هذا الكثير من المصائب والمشاكل حتي
تبلورت هذه الجهود في قيام الثورة الدستورية في ايران.
المصدر: ايبنا