ديانا
محمود: أول ما عرفت البشرية من التداوي كانت باستخدام النباتات والأعشاب الطبيعية،
حيث بحث عنها الانسان واستكشفها بعد أن جرب آلامه وطرق الاستشفاء بها، تطور استخدام
الانسان للنباتات وزادت معرفته بما حوله وعالج أمراضه بمهارات توارثتها الأجيال عن
بعضها، وتنوعت هذه المهارات بتنوع الجغرافيا والخريطة النباتية لكل منطقة.
مع
تطور العلوم والمعارف البشرية بدأ الانسان يبحث عن حلول مجدية أكثر للتداوي من الأمراض
حيث انتشر علم الطب وتطور بين بني البشر وكان في بدايته يعتمد على تلك العلوم القديمة
نفسها التي تعرف الآن باسم الطب التقليدي أو الطب البديل أو الطب الشعبي والتي لا تزال
تحظى بمكانتها الخاصة بين الشعوب ولاسيما الشعوب الآسيوية والافريقية.
مدرسة
الطب الايراني
تطور
علم الطب التقليدي في ايران في العهد القديم تطوراً مميزاً متأثراً بالمدارس الطبية
الأخرى السومرية والمصرية ومؤثراً بها؛ حيث تَعتبر مدرسة الطب التقليدي الايرانية العالمَ
النظام الكوني الأفضل الذي خلقه الله الحكيم، لذلك تسمي الطبيب حكيماً لإدراكه وإلمامه
بالعلوم المختلفة، ترجع هذه المدرسة إلى 3000 ألف عام قبل الميلاد وأشهر روادها ابن
سينا، وابوبكر الرازي، و ابن علي الصادق نيشابوري، وآخرون ممن ألفوا أمهات الكتب في
علم الطب.
تقوم
هذه المدرسة على أساس محكم وهو (يجب على كل شخص أن يتناول مايتناسب مع صفاته الفردية
بشكل خاص)، وتقسم الأمراض وفقاً لثلاث فئات. الفئة الأولى أمراض سوء المزاج ومبينة
على الأخلاط الأربعة " البلغم ، المرة الصفراء ، المرة السوداء ، الدم "
، وعلى الأمزجة " الحرارة - البرودة ،
الرطوبة - اليبوسة "
والفئة
الثانية أمراض العيوب الخلقية حيث يولد الانسان دون عضو من جسمه، والفئة الثالثة هي
أمراض القطع والوصل حيث يفقد الانسان عضو من بدنه أو يُصاب بكسر وهنا يتوجب على الحكيم
توصيف الأدوية الضرورية اللازمة أو القيام بالعمليات الجراحية التي تسهل على الانسان
آلامه.
إلا
إن الطب التقليدي الايرانية اليوم يتمحور بشكل أساسي على الفئة الأولى من الأمراض،
فنرى إن اعتقادات هذه المدرسة أصبحت موروثاً فكرياً يتناقله الايرانيون جيلاً بعد جيل
باعتباره جزءاً من ثقافتهم، ويبحثون في أغذيتهم عما يناسب طبيعتهم، فليس بعيداً أن ترى شابة ايرانية في مقتبل العمر
تضع الفلفل الأسود في اللبن لاعتقادها إن مزاجها بارد واللبن غذاء بارد وعليه أن تعدله
ليصبح حارا ويناسب جسمها. .
يرى
الباحثون في ايران إن بعض الأفراد مزاجهم حار وعليهم أن يتناولوا أغذية باردة، والبعض
الآخر مزاجهم بارد وعليهم أن يتناولوا الأغذية الحارة، موضحين في أبحاثهم أهمية هذا
التنوع والدقة. وعلى سبيل المثال فالشوكلا والعسل والتمور أغذية حارة ومناسبة لذوي
المزاج البارد، أما اللبن والخل أغذية باردة تناسب ذوي المزاج الحار.
افتتحت
الأبحاث الطبية في عصور النهضة أبحاثاً جديدة بعيدة عن تلك الكلاسيكية متبعةً تارةً
المناهج القديمة وتارة المناهج الحديثة إلا إن القرن العشرين شكل نقلة نوعية في عالم
الطب واخذ الانسان إلى مرحلة جديدة من التطور مكنته في من معالجة الكثير من الأمراض
المستعصية وذلك باعتماد تقنيات طبية جديدة واكتشاف الأدوية الحديثة.
كباقي
العلوم تتأرجح كفة الانجازات القديمة إلى جانب الازدهار الحديث فنرى البعض يتقدم متطرفاً
في العلوم الحديثة بينما نرى آخر يتكأ عليها في تقدمه، إلا إن البعض أرادوا الانصراف
عن الطب الحديث والعودة إلى طب السلف، في ايران كغيرها من دول العالم نرى هذه الترنحات
إلا إن القوانين الصارمة التي تتبعها وزارة الصحة في الجمهورية الاسلامية الايرانية
واضحة وصريحة ومحددة لآليات العمل في مجال الطب الحديث والطب التقليدي.
فتحت
جامعة طهران للعلوم الطبية عام 2007 فرعاً جديداً ضمته لكلياتها المختلفة تحت مسمى
"كلية الطب التقليدي الايراني" في خطوة جديدة لإعادة إحياء علوم المدرسة
الطبية الايرانية القديمة، حيث ترى رئاسة الجامعة إن أبواب هذا العلم يجب أن تفتح من
جديد وان تطور هذه العلوم في قوالب العلم الحديث وبمساعدة التقنيات المعاصرة.
وعملت
ايران على احياء الطب التقليدي مع مطلع الألفية الجديدة فنرى تشكيلات حكومية مختصة
بهذا الشأن بدأت بالمجلس الأعلى للطب التقليدي في وزارة الصحة الايرانية ليأخذ مؤخراً
شكله التنظيمي "بمكتب الطب التقليدي - الايراني - الاسلامي" الذي يديره حالياً
الدكتور "محمود خدادوست".
كما
نرى جمعيات عديدة في ايران مهتمة في هذا الشأن وتصدر مجلاتها الطبية إلى جانب عدد كبير
من العيادات المرخصة من قبل وزارة الصحة التي تمارس بدورها رقابة على هذه العيادات
لحفظ السلامة العامة، كما تقام سنوياً مؤتمرات للطب التقليدي الايراني بعضها مختص بالحجامة
وآخر بالتغذية وآخر بالنباتات والأعشاب.
ويرى
المسؤولون في ايران إن مهمة نقل معارف الطب التقليدي ونشرها في العالم تقع على عاتق
الايرانيين، فهم رواد هذا المجال وعلى أرضهم تورق النباتات والأعشاب الطبية التي يحتاجها
الانسان للتداوي، مما دفع بالعديد من الشركات الطبية لتخصيص أقسام خاصة لانتاج الاعشاب
الطبية ومستحضراتها، ومشاركتها في معارض دولية معنية في هذا الشأن ولاسيما في الصين
وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان.
يختلف
الطب الاسلامي عن الطب الشعبي في مراجعه المعتمدة بشكل أساسي، فإلى جانب الموروث الانساني
القديم يعتمد الطب الاسلامي على القرآن المجيد والكتب السماوية وسير الأنبياء والائمة
وأحاديثهم.
ويقوم
الطب الاسلامي على أربعة أصول أولها الوقاية ثم الانضباط ثم العلاج ثم الشفاء. أما
أركانه فهي خمسة: طهارة الجسم وطهارة المعدة وطهارة الدم والطهارة الجنسية والطهارة
الروحية. وأدواة العلاج المتبعة في الطب الاسلامي هي الأدوية العلاجية و السلوك العلاجي
و الادعية العلاجية.
ولايخفى
على الباحثين ان الطب الاسلامي أخذ قوته من المدارس الاسلامية التي انتشرت في العالم
الاسلامي بشكل عام والايراني بشكل خاص، فطلاب الحوزات العلمية جاهدوا في حفظ العلوم
ولاسيما مع انتشار الخرافات والسحر والشعوذة في أزمنة الجهل والتي اختلطت بالطب الشعبي
بين المسلمين وأحدثت انحرافات في حقيقة هذا العلم.
ويشير
الباحثون إن هدف علم الطب الاسلامي الارتقاء بالانسان وحفظ سلامته لذلك فإن أسلوب الحياة
الاسلامي يساهم في تقديم الوقاية من الأمراض وهي الخطوة الأولى للعلاج.
ويرى
الدكتور محمد دريايي مختص في العلوم البيولوجية والأعشاب العلاجية والطب الايراني في
حديث لوكالة مهر للأنباء إن إحياء علوم الطب
التقليدي في ايران بدأ منذ عدة عقود ولعدة أسباب أهمها تشجيع الحكومة الايرانية ولاسيما
بعد الثورة الاسلامية ورغبة الناس بالاعتماد على الاقتصاد المقاوم وعدم فعالية العلاج
الحديث إزاء بعض الأمراض، منوهاً إلى إن عيادته الطبية وغيرها من العيادات مرخصة تخضع
لرقابة وزارة الصحة.
وأوضح
المختص إن الأمراض الحالية في المجتمع سببها الأطعمة السيئة التي ترافقت مع العصر الحديث
والأغذية المصنوعة الحاضرة هي السبب في تراكم السموم في جسم الانسان، معتمداً مقولة
أبو علي سينا (طعامكم دوائكم)، وتابع الطبيب دريايي شارحاً إن الطب الايراني يعتقد
إن كل طعام يتناوله الانسان يتحول إلى إحدى الحالات الأربعة (بلغم- صفرا - دم - سودا)
ولكل حالة أطعمة تساعد في تعديلها وتوازنها في الجسم.
وحول
المرضى والمراجعين الذين يزورن عيادته بين الطبيب دريايي إن المرضى المراجعين لعيادته
تتنوع أعمارهم و أمراضهم، موضحاً إن الكثير من الشباب المدمنين بالمخدرات يلجؤن إلى
الطب التقليدي لمعالجة الإدمان كما يراجع العيادة عدد من المصابين بالأمراض العضال.
وأوضح
الطبيب دريايي تعليقاً على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء عن مضمون كتابه "الطب
الشيعي" والفرق بينه وبين الطب التقليدي
قائلاً : الطب الاسلامي يؤكد على الأغذية
والوقاية أما الطب التقليدي يؤكد على العلاج، مضيفاً ان الطب الشيعي مأخوذ عن أحاديث
الأئمة والرسول وعلى رأسهم الامام الباقر وأمير المؤمنين وعلي الرضا والامام الصادق
عليهم السلام، وهناك 14 ألف حديث حول الائمة والأساليب الصحية للطعام والحياة، ومن
الكتب المأثورة كتاب طب الصادق الذي جمع أحاديث الأمام الصادق عليه السلام في هذا المجال
التي تبين عادات صحية في نوع الطعام وطريقة تناوله.
وإلى
جانب العيادات الخاضعة لرقابة وزراة الصحة تتنشر في بعض المناطق في طهران وباقي المدن
الايرانية عيادات شعبية يؤمها الناس للتداوي لكن دون رقابة، يتهمها البعض بالخرافات
وتحاول الجهات المختصة إغلاق أبوابها، إلا إن بعض المساجد ودور القرآن كانت مرحبة بهؤلاء
واستضافت من يعملون في الطب الاسلامي والشعبي دون ترخيص.
وبين
المختص في هذا المجال "حليمي" في حديث لوكالة مهر للأنباء إنه يرغب في العمل
تحت رقابة وزارة الصحة إلا إن بعض القوانين لا تشمله، موضحاً إنه يعمل مع فريق من المخصين
تحت نظر استاذٍ لهم، حيث تستضيفهم دور القرآن والمساجد في العاصمة في أوقات محددة.
وعن
المرضى المراجعين، أشار "حليمي" إن عمله غير مختص بنوع واحد من الأمراض إلا
إن أغلب المراجعين يعانون من أوجاع في العمود الفقري، ويستخدم في علاجهم الطرق التقليدي
كالأعشاب والأبر والحجامة، مضيفاً إن مجموعتهم الخاصة ترغب في الحصول على ترخيص رسمي قائلاً: نحن لا نتقاضى
مقابلاً مادياً إزاء هذا العمل فهو خدمة للمجتمع.
وأشار
إلى إن الجميع يرحب بهم والناس هي من تطلب منهم عقد حلقاتهم الدائمة التي يوضحون من
خلالها العادات الصحية الأفضل في حياتنا اليومية وذلك وفق مناهج السلف الصالح.
لايتوقف
الأمر على الطب التقليدي وفصوله بل هي مجموعة العادات والتقاليد التي وصلت إلى الايرانيين
من خلال موروثهم الفكري الذي تلقوه من الأجداد مجددين فيها أحياناً ومحافظين عليها
أحياناً أخرى. المحافظة؛ هي أكثر الصفات التي تندرج على الشعب الايراني إلى جانب الحرص
في التجديد فترى الشباب الايراني اليوم متشابهاً
في بعض التفاصيل ولاسيما فيما يخص المأكل والمشرب مع أجداده، فعلى الرغم من انتشار
الأطعمة الجاهزة في كل أنحاء ايران وإقبال الشباب عليها إلا إن مطاعم تقليدية كـ"الباجة"
و"الاملت" و"الآش" منتشرة جداً ويتمسك بها الايرانيون إلى جانب
اعتقاداتهم في ما يناسبهم مزاجاتهم الباردة والحارة من طعام وفيما لايناسب، فيشربون
الشاي المحلى بسكر النبات للتداوي ويحرصون على الابتعاد عن البهارات والاعتدال بها،
ولايخلو بيت في ايران من الأعشاب الطبية.
يمكن
أن نرى في الطب التقليدي الايراني سنة وتقليد يحافظ عليه الشعب الايراني برغم التطور
في علوم الطب الحديثة، ثقافة تبدأ في المنازل والمساجد ولاينكرها حتى أهل العلم، بل
يسعى القائمون على هذا المجال لتطويره ونقله خبراته إلى الدول الأخرى بهدف تبادل المعلومات
وتحقيق رخاء أفضل للبشرية، فيحظى هذا المجال على تشجيع حكومي في قطاع زراعة الأعشاب
الطبية وتصديرها إلى جانب ترويج هذه الثقافة عبر وسائل الاعلام المختلفة في محاولة
لدعم الاقتصاد المقاوم إلى جانب الحفاظ على الموروث الفكري.
المصدر:
مهر