وخطّ قلمه الكثير من المصنفات، ويقع في
مقدمتها موسوعته التفسيرية الميزان في تفسير القرآن، فضلا عن الكتب الفلسفية كبداية
الحكمة ونهاية الحكمة وكتابه المعروف أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الذي تصدى الشهيد
المطهري لشرحه والتعليق عليه. تخرج من حلقة دروس العلامة الطباطبائي الكثير من الأعلام
كقائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي والشهيد علي المطهري والشيخ جوادي
آملي والشيخ مصباح يزدي والشهيد بهشتي وغيرهم من التلاميذ الذين كان لهم الأثر الكبير
في الساحة الفكرية والعلمية في العصر الراهن.
وقد لعبت مناظراته مع الفيلسوف الفرنسي
والمتخصص بالشأن الشيعي هنري كاربن دوراً مهما في إيصال الفكر الشيعي وصورة التشيع
إلى المجتمع الأوربي.
سيرته
العلامة محمد حسين الطباطبائي، ولد (رحمه
الله) يوم 29 من شهر ذي الحجة الحرام، سنة 1321 هجري قمري (17 اذار/مارس 1904)، بمدينة
تبريز، شمال غرب ايران. والده السيد محمد القاضي الطباطبائي (رحمه الله) نشأ في أسرة
كريمة معروفة في يزد (ان لم نقل في المشرق الإسلامي) بالعلم والمعرفة وقد نشب منها
علماء ومفكرون كبار. يصل نسب السيد العلامة (رحمه الله) من جهة أبيه إلى الإمام الحسن
المجتبى (عليه السلام) ومن جهة أمه إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ومن هنا فقد حظي
بالانتساب إلى سيدي شباب أهل الجنة.
نشأته
ترعرع العلامة محمد حسين الطباطبائي (رحمه
الله) في عائلة علمائية، معروفة بالتقوى والورع والتزامها بالدين وخدمة المستضعفين،
في جو مفعم بالإيمان تجري فيه ينابيع المحبة والود والتآلف والأنس، لم يمض من عمره
(رحمه الله) خمسة سنوات، حينما توفيت أمه (رحمها الله)، و في التاسعة من عمره الشريف
انتقل والده (رحمه الله) الى رحمة ربه، عاش السيد الطباطبائي طفولة صعبة للغاية فقد
مر بمشاكل وعقبات، في بداية مسيرته منعته من الذهاب إلى المدرسة، الى أن بلغ التاسعة
من عمره الشريف.
دراسته
ظل السيد (رحمه الله) بعيداً عن تعلم القراءة والكتابة، فترة من
الزمن وفي سن التاسعة. بدأ العلامة (قدس سره) من سنة 1330 وحتى 1336 هـ إلى جانب أخيه
بتعلم القرآن الكريم، ثم درس جملة من الكتب منها، كتاب گلستان وبوستان سعدي، ونصاب
الصبيان، وأخلاق ناصري، وأنوار سهيلي وتاريخ العجم، ومنشآت أمير نظام، وإرشاد الحساب
عند الأديب البارع الشيخ محمد علي السرائي، كما أخذ فنون الخط على يد الأستاذ الميرزا
علي نقي الخطاط.
انتقل العلامة (رحمه الله) الى المدرسة
الطالبية في سنة 1337 هجري قمري «وبقي فيها مدة من الزمن تعلم خلالها علوم اللغة العربية،
كما درس العلوم العقلية وتعلم الفقه والأصول الى سنة 1344 هـجري قمري.
اقترنت هذه المدة التي طالت أربعة سنوات
بشيء من الكلل والملل والإعراض عن الدراسة وعدم الرغبة في تحصيلها، على حد تعبير السيد
العلامة (قدس سره) حتى أنه عندما سقط في امتحان كتاب السيوطي، وقوبل بعتاب أستاذه،
خرج من مدينة تبريز، مستاءا متألما، بيد أنه، ولعمل قام به، سرعان ما غمرته العناية
الربانية، واشتعلت في نفسه رغبة قوية، لتحصيل العلوم الدينية، وشوق وتوق بالغ لإكتساب
المعارف الإلهية، ومن حينها وحتى نهاية دراسته التي طالت زُهاء 18 سنة، لم يصبه شيء
من السأم ولم يشعر في نفسه عن الدراسة من الملل وتكبد التعب و تَحَمَّلَ النصب، وتَجَشَّمَ
عناء التعلم وصبر على ذله، فكان يسهر الليالي في المراجعة والتحضير والمطالعة.
فأدى به هذا اللطف الإلهي أن يجتاز كل
عقبة واجهته وكل عثرة مثلت أمامه، وكانت هذه الرعاية الربانية، تسايره وتواكبه طيلة
حياته فكان يشعر دوماً بقوة غيبية تنجيه من كل مزلق وتكشف عنه كل مأزق وتهديه إلى حيث
الغاية والمقصد.
الهجرة إلى النجف الأشرف
وفي سنة 1344 هـجري قمري، اتجه صوب مدينة
النجف الأشرف. ولكنه وعند وصوله لا قى، صعوبات ومتاعبٍ وآلام منها وفاة ابنه الأول
السيد محمد، و تغيير البيئة وحرارة الجو والماء الغير الصحي والغربة واختلاف اللغة،
إلا أن عزمه الراسخ وإرادته القوية للاستمرار بالتعلم وتحصيل المعارف كانت تذلّل له
الصعاب وتهوّن عليه الخطوب.
بعد أن لازم العلامة (رحمه الله)، العارف
الكبير السيد علي القاضي (قدس الله سره) دخل في مرحلة جديدة من حياته العلمية. إذ كان
في بداية دخوله إلى النجف الأشرف يعتبر نفسه غنياً عن العلوم العقلية ويتصور أنه لا
يحتاج إلى دراسة الفلسفة حتى على يد صدر المتألهين نفسه فيما لو كان حياً ولكنه بعد
أن دخل مجلس السيد القاضي (قدس سره) وقف على بعده عن العلوم الفلسفية والحكمية كل البعد
وعلى كونه لم يفهم من الأسفار حتى كلمة واحدة.
فتصدى إلى دراسة العلوم الفلسفية على يد
السيد القاضي (قدس سره) كما يشير إلى ذلك العلامة الطباطبائي (رحمه الله) ذاكراً بأن
السيد القاضي كان أحد أساتذته في العلوم العقلية ولكن لم يتضح لدينا أيّ كتاب درسه
على يد هذا العارف الجليل.
وأخذ على يد الحكيم السيد حسين البادكوبي
منظومة السبزواري والأسفار، والمشاعر، والشفاء لابن سينا، وكتاب أثولوجيا، لمدة ستة
أعوام.
وإن القسم الأوفر من العرفان العملي، والنظري،
والمدرسة التفسيرية للعلامة (قدس سره) قد تلقاه من أستاذه الأعظم آية الله السيد علي
القاضي (رحمه الله)، وبما أنه لم يقرأ على السيد حسين البادكوبي سوى كتاب تمهيد القواعد،
يحتمل احتمالاً قوياً أنه أخذ شرح الفصوص للقيصري، ومصباح الأنس للقونوي، والفتوحات
المكية لابن العربي، على يد السيد علي القاضي (قدس سره).
دراسة الرياضيات والفقه والأصول
كان العلامة الطباطبائي (رحمه الله) قد
قرأ في مدينة تبريز، كتاب إرشاد الحساب في الرياضيات، إلا أن أستاذه الحكيم السيد حسين
البادكوبي (قدس سره)، حثه على دراسة كتاب تحرير إقليدس، لتفجير الذوق البرهاني فيه،
فاستجاب له العلامة (رحمه الله) ودرس هذا الكتاب وغيره في الرياضيات، لمدة سنتين عند
السيد أبي القاسم الخوانساري (رحمه الله)، الذي كان ضليعاً في العلوم الرياضية، ومتبحراً
في معادلات الجبر والمقابلة، بحد كان يراجعه الجامعيون لحل إشكالاتهم الرياضية.
لقد اشتهرت مدينة النجف الأشرف في زمن
العلامة الطباطبائي (قدس سره) بأنها مدينة لكبار الفقهاء وجهابذة الأساتذة في مجالي
الفقه والأصول، ولعل الدافع الوحيد الذي ساق العلامة (قدس الله نفسه) إلى النجف الأشرف
هو إكمال دراساته الفقهية والأصولية. حيث أن العلامة (رحمه الله) قد أخذ الفقه والأصول
على يد كبار العلماء والفقهاء أمثال، الشيخ محمد حسين الأصفهاني المعروف بالكمباني،
والشيخ محمد حسين النائيني، والسيد أبي الحسن الأصفهاني حتى نال مرتبة الاجتهاد وتسلم
من الشيخ النائيني إجازة في الاجتهاد والرواية.
المنهج التفسيري
لقد برع العلامة الطباطبائي (رحمه الله)
في التفسير وسلك فيه منهجاً خاصاً، وعلى الرغم من أنّ أستاذيه السيد القاضي والسيد
البادكوبي كان كلاهما من المفسرين، غير أن المستفاد من كلام العلامة نفسه هو اتباعه
منهج السيد القاضي في تفسيره حيث يقول: علمنا أستاذنا السيد القاضي (قدس سره) هذا المنهج
وهو تفسير الآية بالآية ونحن نتبع منهجه في التفسير.
العودة إلى تبريز
واحدة من المشاكل التي كان دوماً ما يعاني
منها، العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (رحمه الله) طيلة مكوثه في النجف الأشرف
هي تأمين حياته اليومية التي اضطرته للعودة إلى مسقط رأسه (تبريز) مع أخيه في سنة
1354 هـجري قمري.
قضى العلامة الطباطبائي (قدس الله نفسه
الزكية) في تبريز معظم وقته الذي طال كالنجف الأشرف عشرة أعوام في الزراعة. ولذا كان
يعتبرها فترة خسران في حياته لأنها حالت بينه وبين الدراسة والتدريس والإنتاج العلمي.
وهذا الأمر إنما ينبأ عن سمو نفسه وعلو همته إذ أنه وفق في هذه الفترة لتدوين العديد
من الرسائل الفلسفية العميقة إلا أن هذا المقدار لم يعد يروي ظمأه ويسد غليله فكان
يبحث عن مكان كحوزة قم المقدسة، ليؤلف فيها تفسيراً قيماً كالميزان، ويربي أعلاماً
وجهابذة أمثال الأستاذ الشهيد مطهري.
حياته العلمية في قم المقدسة
بعد أن استتبت له الأمور المعاشية، استخار
الله بكتابه العزيز للهجرة إلى قم المقدسة، فبشر بهذه الآية «هنالك الولاية لله الحق
هو خير ثواباً وخير عقباً» (الكهف / 44) وعلى أثرها وفي سنة 1366 هـجري قمري ترك مدينة
تبريز قاصداً بلدة قم المقدسة.
بعد أن دخل العلامة (قدس سره) قم المقدسة،
تفجرت في نفوس الكثير من النخب الدينية، التي أصيبت لجهات عديدة بخيبة أمل، بروح النشاط
والحياة العلمية من جديد، وأخذوا يطوفون حول هذا العطاء الإلهي وينهلون من نمير علمه،
وهو الذي كان مثالاً في الإخلاص، وقف نفسه لتربيتهم وخلّف تلامذة أصبحوا من بعده هداة
يهتدى بهم وقادة يقتدى بهديهم.
بدأ العلامة من حين دخوله إلى قم بتدريس
الفقه والأصول، إلا أن شعوره بالمسؤولية، سرعان ما ساقه إلى اتجاه آخر. يقول العلامة
(رحمه الله) حول ترك تدريسه الفقه والأصول: يوجد في الحوزة العلمية بقم المقدسة ولله
الحمد أشخاص يدرّسون الفقه والأصول ولكن لا يوجد فيها من أساتذة الفلسفة والتفسير إلا
القليل، واليوم حوزة قم العلمية والمجتمع الإسلامي بأمس الحاجة إلى التفسير والفلسفة
واشتغالي بهذه العلوم أنفع للإسلام.
من هذا المنطلق، بدأ في بيته أولاً ثم
في مسجد سلماسي بتدريس الأسفار.
أثار هذا الأمر من جانب، الروح والنشاط
العلمي في نفوس الطلاب، ومن جانب آخر ردود فعل المخالفين للعلوم الفلسفية وبدأ العمل
على تعطيل درسه، إلا أن إخلاص العلامة (قدس سره) وجده واجتهاده والأساليب التي اتبعها
آية الله السيد البروجردي (قدس الله نفسه) والإمام الخميني (رضي الله عنه وأرضاه) حالت
دون تعطيل هذا الدرس وأجهضت خطة المعاندين.
صرف السيد العلامة (قدس الله نفسه الزكية)
طيلة هذه المدة التي استغرقت 35 عاماً، كل وقته في التدريس والتحقيق في هذين المجالين
ونشر المعارف الإسلامية وخلف آثاراً قيمة يستفيد منها العام والخاص.
تلامذته
في الوقت الذي كان قد أحاط بالحوزات العلمية
الإيرانية آنذاك نوع من التزلزل والاضطراب، خلفت مدرسة العلامة الطباطبائي (رحمه الله)
للحوزات العلمية ولعالم العلم والتربية، لآلئ نفيسة. وقد أصبحت كل واحدة من هذه النجوم
الساطعة مصدراً للخيرات والبركات للمجتمع وللحوزة العلمية وحققت في سبيل انتصار الثورة
الإسلامية المباركة إنجازات كبيرة. وإليكم أشهر تلاميذه:
قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي
الخامنئي، الشهيد مرتضى مطهري، الشهيد السيد محمد حسيني بهشتي، الشهيد الشيخ علي قدوسي،
الشهيد الشيخ محمد جواد باهنر، الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، الشيخ حسن حسن زاده الآملي،
الشيخ عبد الله جوادي الآملي، الشيخ جعفر سبحاني، السيد محمد حسين الحسيني الطهراني،
الشهيد الشيخ محمد مفتح، السيد موسى الصدر، السيد عز الدين الزنجاني، الشيخ ناصر مكارم
الشيرازي، السيد جلال الدين الآشتياني، السيد أبوالحسن مولانا، الشيخ محمد محمدي گيلاني،
الشيخ حسين نوري الهمداني، الشيخ يحيى الأنصاري الشيرازي، الشيخ علي أحمدي ميانجي،
الشيخ محمد حسين الطهراني، الشيخ أبو طالب تجليل تبريزي، الشيخ إبراهيم الأميني، الشيخ
عبد الحميد الشربياني، الشيخ عباس إيزدي، الدكتور أحمد أحمدي، الدكتور السيد حسين نصر.
إنجازاته ونشاطاته الاجتماعية
النشاطات الاجتماعية التي كان يقوم بها
العلامة الطباطبائي (رحمه الله) لها أبعاد مختلفة وكل منها يحكي عن شخصيته البارزة.
وإليكم فيما يلي نظرة عابرة عن كل واحدة من هذه النشاطات.
1. إحياء الحوزة العلمية في قم المقدسة
كانت الحوزات العلمية في زمن دخول العلامة
(رحمه الله) إلى قم تمر بظروف متأزمة ناجمة من ضغوط الحكم القمعي والمشاكل المنبثقة
من داخلها وهجوم الأفكار المتغربة، وكان الكثير من الطلبة آنذاك يعيشون في ظل أجواء
عصيبة، يبحثون عمن يشفي غليلهم ويروي نفوسهم المتعطشة إلى التعلم من زلال العلوم ومعين
المعارف. وقد أدت هذه الأجواء إلى أن يعزم البعض على الخروج من الحوزة وترك الدراسة.
إلا أن حضور العلامة (قدس سره) في قم المقدسة أعاد إلى الحوزة العلمية نشاطها وازدهارها
العلمي واستطاع بمحوريته أن يجمع هذه الثلة المتشتتة وينظمها ويبدلها إلى طاقة جبارة
تنفع المجتمع وها نحن نجد هذه الشجرة المتجذرة قد أينعت ثمارها في داخل المجتمع، من
مختلف الجهات العلمية والسياسية وغيرها.
2. الوقوف بوجه الحكومة الجائرة في سبيل
إقامة الحكومة الإسلامية
لأول وهلة قد يقف الإنسان متعجباً من هذا
الكلام لأن المنقدح في ذهن أغلب الأشخاص هو أن العلامة (رحمه الله) كان رجل علم وزهد
وتزكية فقط، ولكننا إذا سلطتنا الأضواء على مسيرة العلامة (قدس الله سره) طيلة تواجده
في مدينة قم المقدسة، لوجدنا وبكل وضوح دوره الكبير في الإطاحة بالنظام الجائر، وإقامة
الحكومة الإسلامية. فإن الكثير ممن تخرج من مدرسته العلمية أصبح فيما بعد من أركان
الثورة الإسلامية في ايران، وحتى أن بعضهم قدم نفسه قرباناً في هذا السبيل وسقى بدمه
شجرة الثورة المباركة. وهذا الأمر لم يحدث عفوياً بل وكما صرح بذلك الكثير من تلامذته،
إن الفكر الذي زرعه العلامة (رحمه الله)، في نفوسهم كان لا يتلائم مبدئياً وأسس الحكم
المستبد الجائر. وإن تربية هؤلاء الأفذاذ يعد بمثابة تربية جنود مضحين للوقوف بوجه
النظام الملكي (الشاهنشاهي)، واستهداف أسسه المندرسة بسلاح العلم والعقيدة الناجمين
من الاستضاءة بأفكار العلامة (قدس الله روحه).
هذا إضافة إلى ما قام به العلامة عبر تأليفاته
وتصنيفاته بتعزيز الأسس الفكرية والعقائدية للثورة الإسلامية. ففي تفسيره الكبير الميزان،
في تفسير آية «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا» (آل عمران / 200)، تصدى
إلى بيان العناصر المقومة للحكومة الإسلامية مع منهجيتها في العمل في عشرة حقول والذي
لم يسبقه أحد لمثل ذلك وبهذا الإتقان. إضافة إلى تأليفه رسالة مستقلة بالفارسية في
الحكومة الإسلامية وأبعادها وجوانبها.
لم يقتصر العلامة (رحمه الله) في كفاحه
ضد النظام الطاغوتي على تكريس دعائم الثورة فحسب، بل نجده حاضراً مرابطاً في مختلف
المشاهد والمواقف. ففي عام 1382 و1383 هـجري قمري، حيث تطاولت يد الطاغوت الأثيمة على
الدستور من أجل تحقيق أهدافها، استدعى الإمام الراحل (قدس سره) ومن أجل تفجير النهضة،
العلماء والمراجع لعقد اجتماع يبحث هذا الموضوع. وكان ممن كان حاضراً في هذا الاجتماع
وتوقيعه موجود أسفل البيان الذي كتبه الإمام (رحمه الله) هو العلامة السيد محمد حسين
الطباطبائي (قدس سره). هذا البيان الذي كتب ببالغ الدقة والإتقان والتدبير، أثار الرأي
العام المسلم على النظام الشاهنشاهي ووجّه ضربة قاضية عليه.
وفي الوقت الذي أخبر العلامة (رحمه الله)
أن الشاه قرّر أن يمنحه شهادة دكتوراه في الفلسفة، جاش غضبه عند سماعه هذا الخبر وقال
بأنه سوف لن يقبل مثل ذلك من قبل جهاز الظلم بتاتاً. وفي لقاء له مع عميد كلية الإلهيات
بشأن هذا الموضوع، قال له العميد: إن رفضك لهذه الشهادة يجر غضب الشاه ويسبب لك بعض
المشاكل، فأجابه في هذه المرة أيضاَ بكل صراحة: لا أخاف من الشاه إطلاقاً ولست مستعداً
لقبول شهادة الدكتوراه.
إلى جانب نفور العلامة (قدس سره) وسخطه
من حكومة الظلم والجور وإعلان استنكاره تكراراً من الظلم بكل أصنافه ومظاهره، كان مسروراً
ومبتهجاً للغاية لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية. فكان دوماً ما يعرب عن فخره واعتزازه
لتسلم الإمام الخميني (قدس سره) زمام الأمور وقيادة هذه النهضة ومعتبراً ذلك سبباً
لعظمة الإسلام والمسلمين وسعادته وسيادته.
3. الدفاع عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
لقد وقف العلامة الطباطبائي (رحمه الله)
نفسه للدفاع عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وبث معارفها وترويج أفكارها وتحمل في
هذا الطريق أنواع المصائب والآلام. فبالإضافة إلى العديد من الكتب التي ألفها في هذا
المجال ولاسيما كتاب الميزان، التي اقترن تأليفه بصعوبات كثيرة، كان يغتنم كل فرصة
في هذا الطريق.
فكان على سبيل المثال، رغم ضعفه وكهولته
يذهب بالحافلة إلى طهران في كل أسبوع مرتين للقاء بالبروفسور هانري كربن الذي كان يأتي
إلى إيران في كل سنة عدة أشهر للبحث حول مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وكان قد تعرف
على العلامة (قدس سره) بواسطة بعض أساتذة الجامعة فطلب منه المعونة في هذا المجال،
فأجاب سؤاله لاطلاعه على نشاطاته العلمية وملكاته النفسانية، فكان يجيب على أسئلته
ويضع بين يديه وبين يدي جمع من أساتذة الجامعة، معارف أهل البيت (عليهم السلام) وعلومهم
وبذلك قام بتصدير هذه المدرسة إلى عالم الغرب من خلال هذا الباحث الغربي.
ينقل آية الله الشيخ جوادي آملي عن العلامة
(رحمه الله) أنه في السنة التي كان فيها يقضي صيفه في قرية دركة التابعة لطهران، طلب
منه أحد علماء الشيوعية أن يجلس معه للبحث والنقاش، فاستجاب له واستمر هذا البحث من
الصباح إلى المساء في أكثر من ثمانية ساعات حتى أنه قال فيما بعد لأحد أصدقائه بأن
العلامة قد صيرني موحداً.
4. الاهتمام بأمور المسلمين
في عام 1969 ميلادي، تزامناً مع الحرب
الإسرائيلية المعتدية مع الدول العربية التي طالت ستة أيام، أخرج العلامة الطباطبائي
(رحمه الله) مع آية الله أبي الفضل الموسوي الزنجاني والأستاذ الشهيد مرتضى مطهري بياناً
عبروا فيه عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المظلوم وطلبوا من الأمة الإسلامية أن يمدوا
يد العون والمساعدة لإخوانهم المسلمين، وافتتحوا لذلك ثلاثة حسابات في بنوك طهران.
5. العمل على توحيد الصفوف بين المسلمين
يعتبر العلامة الطباطبائي (رحمه الله)
أنّ سبب انحطاط المسلمين وضعفهم هو التشتت والتحزب وقد وضع خطى كبيرة في سبيل، رص الصفوف
بين الشيعة والسنة وتوحيدهم.
يقول الأستاذ آية الله جوادي الآملي: الأعمال
التي قام بها العلامة (قدس الله سره) في سبيل توحيد الصفوف وإيجاد الألفة بين المذاهب
الإسلامية كثيرة.
فإن أحد أهم الطرق للتوحيد بين المذاهب هو تفسير القرآن لأنه موضع
قبول جميع المذاهب، ولذا فقد حاول العلامة (قدس سره) عبر تفسيره أن يعرف الأمم الإسلامية،
بأنها أمة واحدة، وأن يزيل الاختلافات التي تضرب أساس الدين.
كان العلامة يستفيد في تفسيره من كلام
المعصومين (عليهم السلام) الذي يحذر المسلمين، من التفرق والتشتت الطائفي، ويبين لهم
تبعاته وآثاره السيئة.
كان العلامة يحاول عبر تبيانه لمعارف القرآن والسنة، أن يرص صفوف
الأمة الإسلامية، لمقاومة الكتل الشرقية والغربية، والوقوف بوجه جميع المستوردات، الشرقية
والغربية، وعدم الركون إليها.
6. متابعة الشؤون الاجتماعية
يقول المهندس السيد عبد الباقي ابن السيد
العلامة محمد حسين الطباطبائي (رضي الله عنه) في هذا الشأن: أتذكر جيداً بأن المرحوم
والدي، كان لا يترك نشاطه طيلة السنة، والعمل عنده في فصل الشتاء وهطول الأمطار والثلوج،
وهو إما حامل فوق رأسه مظلة، أو متستر بسترة جلدية، أمر طبيعي.
كان في أوقات التعطيل (العطلة) يعبأ الناس،
لترميم الفروع والمعابر وتنظيف الطرق. وخلال العشرة سنوات التي عاد فيها العلامة (قدس
سره) من النجفالأشرف، إلى قرية شادآباد، وجراء فعالياته المتواصلة، تم في هذه المدة
تطهير القنوات، والمزارع الخربة، وتبديل ترابها وإصلاح أشجارها، وإحداث مزارع جديدة
و...
انتقاله الى الرفيق الأعلى
وفي يوم السبت 18، من شهر محرم الحرام،
سنة 1402 هـجري قمري، الموافق لـ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1981، فاضت نفسه القدسية،
إلى رحمة ربه سبحانه، في مدينة قم المقدسة، ودفن بجوار مرقد كريمة أهل البيت (عليهم
السلام) السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم (عليهما السلام).
المصدر: ارنا